The Equalizer..القراءة في مواجهة الحياة...
"لا يوجد أشخاص جيدون أو أشرار، فقط هم تعساء الحظ الذين تضعهم أقدارهم في طريقنا"
- بيدرو بسكال علي لسان شخصية "ديف" من The Equalizer 2
شاهدت الفيلم بناءا علي نصيحة مسبقة من صديق مقرب، أخبرني بأن الفيلمين رائعين، قلت ولم لا، دعنا نستغل وقتا متاحا في عطلة نهاية أسبوع قصيرة، وبالفعل شاهدت الفيلمين.
لن يحتوي الريفيو علي حرق لأية أحداث، التساؤلات التي بداخلي تعدت "الأكشن"، الفيلم طرح بداخلي أسئلة عديدة، بل أكاد أبالغ إن قلت أن الفيلم عميق فكريا، يترك أثرا في ذهنك كمتلقي لهذا العمل المتقن.
ذكرتني حبكة الفيلم بفيلمي "جون ويك"، رجل خطير متقاعد، يحيا حياة هادئة عادية، في خضم الروتين اليومي يظهر شخص/شئ ما في حياته، فينغمس في حياته السابقة مجددا. الحبكة الظاهرية تتشابه، ولهذا السبب الأساسي كنت قد قررت ألا أشاهد أية أفلام أكشن مجددا، حتي شاهدت "دينزل واشنطن".
لهذا حصل "واشنطون" علي الأوسكار خاصته، أداءه راق لرجل يبدو علي ملامحه الزمن، رجل عسكري متقاعد سابق، هارب من ماض أليم، شخصية "روبرت" في الفيلم عمرها مقارب لعمر "دنزل" الحقيقي، الزمن بدا علي جسده، ملامحه، يديه، ليس بالضخم مفتول العضلات، قوته الحقيقية في استخدامه لعقله، الذي يهتم بشحذه بالقراءة كلما استطاع، مائة كتاب، وضع لنفسه هدفا بإنهاء قراءة مائة كتاب، وطيلة الفيلم لم يتوقف فقط عن ملاحقة هدفه.
صوت "دينزل" هو أكثر ما أعجبني في الفيلم، صوت رجل جنتلمان مهذب، لم يسب طيلة الفيلم، هادئ متزن رزين، كأنه يخترق روحك بأداءه وإلقاءه لجمله الحوارية، جمل توالت علي الشاشة وكأنها أبيات الشعر، كلها مكتوبة بخيال خصب، بيد خبيرة في مخاطبة النفس الانسانية.
أكثر ما يميز شخصية "روبرت" هي وعيها الانساني، فهو كملاك حارس لكل من حوله، يحفز زميل له حتي يحظ بوظيفه أحلامه كحارس أمني رغم ازدياد وزنه، حتي فتاة الليل التي قابلها في المطعم، رأي فيها شيئا ما.
يسير بهدوء، يحمل كتابا، في جيب سترته يحمل مشروبه المفضل، فقط في المطعم يطلب بعض الماء الساخن، يجلس، يطالع، يرحل في هدوء. بسيط، لكنه يصعب اختراقه، لطيف، لكن الهالة المحيطة به كالحصن المنيع، رجل قوي، لكن قوته لا تستخدمه، بل بالعكس، يمتلك التحكم الكامل في مسار حياته.
شيئا فشيئا مع أحداث الفيلم نعلم عن حياة "روبرت" وعن صديقته المقربة، وزوجها، ومع انتقال أماكن الأحداث ما بين منزله البسيط، الملهي الليلي، "هوم مارت" مسرح أحداث المشاهد الأخيرة، نجد اختلافا في "كروما الألوان"، الألوان صارخة وصريحة في الشوارع والطرقات، حتي لون الدم صارخ عنيف، لكن في منزل "سوزان" صديقة "روبرت" ومديرته السابقة، كل شئ يبدو رماديا خافتا، كأن "سوزان" هي ملاذ روبرت الذي يفصله عن العالم العنيف الذي يتجنب أن يحياه.
طيلة أحداث الفيلم نري أننا أمام رجل يعلم ماذا يريد، ربما تماما ك"جون ويك"، قوي، يواجه عصابة بأكملها ويبيدها عن بكرة أبيها، الثقة تبدو في كلماته وأفعاله: "أنت تخوض حربا ضدي"، وكل هذه الحرب، فقط لأنه أحس بمسئوليته عما حدث لفتاة الليل المقهورة "تيري"، لما عملت بنصيحته وحاولت الخروج من مهنة أجبروها عليها، لتلاحق حلمها بأن تغني.
أظن أن "دينزل" قد أضاف عنصر النظافة والنظام الشديدين للشخصية، فهذا الرجل لا يقبل بأن يتسخ طبقا في منزله، لا يثق في أحد أن يلمس أدوات مطبخه، حتي لا يثق في مشروبات المطاعم الساخنة ويفضل اعدادها بنفسه. حتي في قتله للأشرار، وجدناه يستعين بتايمر ليعلم كم من الوقت سيستغرق لإنهاء مهمته الثقيلة، رجل يعمل كالساعة.
مشاهد الأكشن صورت كالعادة بدموية شديدة، جعلتني أشيح بناظري عن الشاشة أغلب وقت عرضها، لا ولع عندي بمشاهدة رقبة أحدهم وهي تكسر، أو عين أحدهم وهي تفقأ، لكنها كانت خاطفة للأنفاس علي أية حال، وستعجب عشاق الضرب والعنف.
بالرغم من عمق شخصيتي "روبرت" و "سوزان"، إلا أن هذا العمق لم يواجهه إلا مزيدا من الكليشيه من رجال العصابات، فهم روسيون، الروسي يحتسي الفوكا كالمياه، يستمتع بإهانة النساء، يكسب طنا من الأموال من عملهن في الدعارة، لا قلب له، يقتل كأنه يلقي السلام، نعم، أصابني الملل من كليشيه العصابات الروسية، أتت مماثلة ل"جون ويك"، لا جديد فيها، نعم نعم، اقتل هذا الوغد...ملل...
الجزء الثاني بالتأكيد لم يقل جودة عن الأول، كلاهما تمتعا بنفس الايقاع الهادئ الجذاب، ألقي الضوء علي مزيد من خلفية حياة "روبرت"، بعد حدث مؤسف آخر، يعود مرة أخري للقتل والدماء، لكن أيضا لم ينس أن يغير حياة أحدهم تماما كما فعل في الجزء الأول. بهدوء، سلاسة، يمنح هذا الدرس، بعيدا عن النصائح المملة، بعيدا عن التنظير والاستعلاء واطلاق الاحكام المسبقة علي المخطئ، فهو نفسه يفعلها كنوع من التكفير والتطهير، وينجح في النهاية.
مثلما جسد "روبرت" صراعه مع ماضيه والعصابة القذرة عبر كتاب "العجوز والبحر" في الجزء الأول، كان "البحث عن الزمن المفقود"، الكتاب الذي حاول "روبرت" قراءته طوال الجزء الثاني.
كأن المُعادل لا يعادل الخير بالشر في هذا العالم، فقط يحاول أن يعادل خطاياه مع أعماله الطيبة فقط.
يظهر لنا بالنهاية مكانا رماديا سرمديا آخر، بيت "روبرت" القديم، يظهر وهو يقرأ نسخة أخري من الكتاب، بجوار صورة "فيفيان" زوجته، ولا أحد يعلم تحديدا، أهو يبحث فعلا عن زمنه المفقود، أم سيعود مجددا إلي مهنته القديمة، حيث كل شئ رمادي، لا جيدون أو أشرار، فقط أشخاص تعساء الحظ كما أخبرنا "ديف" زميل "روبرت" القديم؟
---------------------------
ريم.
10 نوفمبر 2018
أبو ظبي.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يسعدني..يا أفندم!