العلايلي...عزت..



متابعيني اعتادوا علي سماع آرائي الفنية الغريبة حول فنانين عدة، منهم هاني شاكر الذي يصفه الجميع بأنه إله النكد في الغناء المصري، بينما أراه أحد أجمل أصوات ظهرت في مصر في آخر 50 عاما، مطرب مقتدر بحق...

أحد تلك الآراء الغريبة، الغير شائعة هو حبي للفنان الممثل "عزت العلايلي"، بغض النظر عن رأي الجميع فيه، لكني أقدر وأحب هذا الرجل، والعديد من الأدوار التي قام بها في أفلام عدت من علامات السينما المصرية، فنان كبير، مهضوم الحق إعلاميا، يستمتع بتقاعد هادئ بعد خفوت الشهرة من حوله، لو أنه كان في هوليوود، لمنحه الجميع أدوارا مؤثرة، تتلائم مع سنه، لكنها ميصر، لا مكان للعجائز، إلا كفنان قدير، أو ضيف شرف.

صورة ذات صلة

وُلد عزت العلايلي في العام 1934، عاصر جيل العظماء منذ نشأة الإذاعة والتليفزيون، حصل علي بكالريوس معهد الفنون المسرحية، ثم بدأت مسيرته الفنية من خلال فيلم "رسالة من إمرأة مجهولة"، وتوالت أدواره..

أحب أن ألقي الضوء اليوم علي عدد من أحب أدوار "العلايلي" لقلبي، لا ترتيب محدد ولا خيار أفضل من الآخر، كلها أدوار تتساوي في الجودة، والإتقان.

1- عبد الموجود - المواطن مصري.
عن رواية "الحرب في بر مصر" ليوسف القعيد، وهي رواية متوسطة الجودة بالمناسبة تكاد تكون مملة، حوّل عمنا "محسن زايد" الفسيخ إلي شربات، كعادته، تحولت الرواية المملة، إلي فيلم من أعظم أفلام السينما المصرية عامة، فيلم "المواطن مصري" من أواخر أعمال المخرج الكبير "صلاح أبو سيف"، لكنه لم يقل جودة بأية حال عن أي عمل من أعماله الأخري.

صورة ذات صلة

أدي "العلايلي" دور الأب المغلوب علي أمره في الفيلم، بكل حواسه تغلغل الدور إليه، فظهر الجميع جواره باهتا، حتي عمر الشريف المتأنق، في دور العمدة الظالم بدا باهتا خافتا جوار أداء العلايلي العظيم، أتي "عزت" كنقيض للعمدة، فكلما ازدادت ملابس العمدة الظالم فخامة، ازدادت ملابس "عبد الموجود" قذارة واتساخا، حتي ذقنه لم يحلقها، بدأ وكأنه رجلا لم يستحم منذ أعوام، بدت عليه أمارات الفقر والذل، الذل الذي استمر حتي نهاية الفيلم، رضخ "عبد الموجود" للنهاية، ورضوخه قتل "مصري"، حتي حرمه حتي من أن يدفن إبنه الوحيد.



2- حسين - ليلة عسل.
قد يتعجب الجميع لاختياري فيلما كوميديا ثمانينيا في قائمة الشرف لأفضل أدوار "العلايلي"، الحقيقة أن فيلم "ليلة عسل" من أكثر الأفلام التي لم تفشل يوما ما في اضحاكي بشدة، وجزء كبير من كوميديا الفيلم كان بسبب "عزت نفسه"، سهير البابلي التي خسرناها كممثلة كوميدية كبيرة، مسرحا وسينما، أدت دورها علي أكمل وجه في هذا الفيلم، كما أدي العلايلي دوره باقتدار شديد، لكن أيضا خفة دم مهولة.
نتيجة بحث الصور عن عزت العلايلي ليلة عسل
أدي "العلايلي" دور "الدكتور حسين" دكتور النساء والتوليد، المتزوج من مسؤولة في هيئة تنظيم الأسرة، ويتورط الثنائي في حمل الزوجة بعد زواج ابنتها الكبيرة "تيمة مستوحاة من فيلم أبو العروسة"، لكن تم تمصيرها بحرفية شديدة، تجعلك تضحك في كل اعادة مشاهدة للفيلم.


3- شوشة - السقا مات.
عن رواية "السقا مات" ليوسف السباعي، جسد "عزت" دور "شوشة"، رجل يخشي الحياة، يسير وكأنه ميت علي وجه الأرض، دائم الرعب من الحياة التي تختطف الأحبة، نقيض "شحاتة"، رجل يسير في الجنازات بشكل محترف، ويقبل علي الحياة بكل حواسه كأنه لا موت ولا يحزنون، جسدت الرواية فكرة الموت والحياة بشكل فلسفي عظيم، كذلك مرحلة انتقال "شوشة" من كونه رجل يخشي الحياة، لرجل يحياها بما فيها، الموت يسير مجاورا للحياة في كل لحظة، ولا أحد سيبقي للأبد.


صورة ذات صلة


للمفارقة الفيلم أيضا كتب له السيناريو والحوار "محسن زايد" رحمه الله، والحوار بالمناسبة من أعظم حوارات السينما الفلسفية.

4- راغب دميان - العنكبوت.
عن رواية "العنكبوت" لمصطفي محمود، أدي "عزت العلايلي" دور "راغب دميان" الشاب الراغب في تجربة كل شئ غريب، تطرح الرواية فكرة تناسخ الأرواح، غالبا كتبها "مصطفي محمود" في فترة "إلحاده" الشهيرة قبل أن يدخل علينا بالعلم والإيمان.


صورة ذات صلة

الفكرة تبدو ساذجة، لكن عزت العلايلي نجح في اخراج مكنون شخصية راغب الغامض المخيف، التزم بالملابس القاتمة، وطبقة الصوت المنخفضة، لتصل لنا شخصية أحسبها من أكثر شخصيات الدراما المصرية قتامة وظلامية.

5- سيد/ محمود - الاختيار.
لا أنكر فضل هذا الفيلم في حبي الشديد لعزت العلايلي، فيلم الاختيار فنيا يعتبر من أكمل أفلام "يوسف شاهين"، والتي لم يظهر حتي في لقطة عابرة منها!

فيلم الاختيار عن قصة قصيرة ل"نجيب محفوظ"، كتب لها السيناريو والحوار نجيب محفوظ نفسه بالاشتراك مع "يوسف شاهين"، لا ننكر اللمسات الشاهينية في الفيلم، كوجود "بهية"، والفنان البوهيمي، واللقطات الرمزية كلقطة "الكرة" التي يتلقفها "محمود" من بعض صبية يلعبون معه، ليركلها ل"سيد"، الذي يلتقطها في وسط اجتماع هام، ليضعها بداخل خزانة محكمة، ألا تري المغزي؟ الحرية بالطبع!
نتيجة بحث الصور عن عزت العلايلي الاختيار

تنقل "العلايلي" ما بين شخصيتي "سيد" و "محمود" بسلاسة مذهلة، فيلم كهذا لو نٌفذ في "هوليوود" لفاز "العلايلي" حتما بأوسكار، لكن..


نجح بشدة في ايصال فكرة الرواية، مع خلجات محسوبة في الانتقال ما بين دوري الشقيقين التوأم -في الشكل لا الطباع- ونال استحقاق وحب الجميع، وعاش الفيلم سنينا طويلة، وسيحيا لمئات الأعوام كفيلم مميز.

"عارفين الانسان بيقابل مين في اخر الرحلة؟ الشيطان؟ ياريت، ده بيقابل نفسه!"


6- اللص - اسكندرية ليه؟



قطعة فنية مميزة أخري من "يوسف شاهين"، في الواقع أنا لا أري أن "اسكندرية ليه" فيلما عظيما، لكنه ضم ممثلين كبار، أحببت أداء المليجي فيه "وعايزني أكسبها؟" - كذلك وقعت في غرام "العلايلي" الذي أدي دور اللص فيه، بخفة ابن البلد وحس وطني لا يغيب عن لص محترف، صاحب مشهد مميز أنتظره طوال الفيلم "خخخ يعني انتو اللي وطنيين، وانا اللي ابن كلب؟ يعني أعرض نفسي للتهلكة، وانتو تاخدو نياشين؟"




7- المهندس حمدي - ولا عزاء للسيدات.
هذا الفيلم، من أجمل أفلام "فاتن حمامة" المجهولة، لا أحد يهتم به مثل "أريد حلا" لا أحد يشاهده، ولم أره في التليفزيون من قبل، حمدا لله أن يوتيوب موجود.

نتيجة بحث الصور عن عزت العلايلي ولا عزاء للسيدات
جسد "العلايلي" في الفيلم دور طليق "فاتن حمامة"، تركها بحثا عن امرأة ربما أصغر في السن، ربما أجمل، زوجة مختلفة عما تعود أن يحظ به في سنواته السابقة، نقيض زوجته المنكسرة المحبة المخلصة، لكنها في النهاية تقوده للجنون، وتدفعه الظروف والحظ العثر في طريق طليقته، ليطلق شائعاته عليها، وينتهي الأمر به في المصحة النفسية.


8- الظابط محمد - أهل القمة.
"نجيب محفوظ" مجددا، في رواية رائعة من رواياته، فيلم عظيم من اخراج "علي بدرخان"، لم يخشي "عزت" من أن تلعب "سعاد حسني" دور ابنة أخته الصغيرة، رغم لعبها دور "زوجته" من قبل في "الاختيار"، أدي الدور بتكامل عظيم، استغل فيه كل حواسه، عينيه، لغة جسده، حتي ملابسه.


نتيجة بحث الصور عن عزت العلايلي اهل القمة

الظابط محمد فوزي في الفيلم كان رمز للطبقة المتوسطة التي انسحقت ما بين القادمون بعد الانفتاح، الضابط الذي يؤدي عمله باجتهاد وكفاءة، منسحق ما بين أحلام زوجته وتطلعاتها وسط مجتمع استهلاكي لا يرحم، وعبء وجود شقيقته الكبري، وابنتها في المنزل، حاول أن يرضخ ل"زغلول بيه" ثم اكتشف ان "زغلول" هو "زعتر النوري"، لكن بعد التلميع والورنيش، في النهاية حظي الجميع بخاتمة، زغلول سينال عقابه، "زعتر" الزواج من سهام والاستقامة، وبقي "الظابط محمد" في حيرته، نهايته لم تكن عادلة أيضا، كأنها نبوءة من "محفوظ" بما يحدث حاليا في مصر.

9-عاشور الناجي - التوت والنبوت.
مرة أخري مع "نجيب محفوظ"، وحدوتة مستوحاة من "ملحمة الحرافيش"، قصة "التوت والنبوت" وردت بنفس الاسم في رواية الحرافيش، أدي فيها العلايلي شخصية "عاشور" وهو عاشور آخر حفيد لعاشور الناجي الأكبر، لكنه ينحدر من نسله، كيف انتقل من مرحلة الفقر المدقع، للغني الفاحش، ثم لجوءه للقوة ليحصل علي حقه ممن ظلمه في نهاية المطاف.

نتيجة بحث الصور عن عزت العلايلي التوت والنبوت

اداء عزت العلايلي يستحق التحية في الفيلم لأنه ليس بمفتول العضلات، لكن نظرات عينيه التي يجيد دائما استخدامها، أوحت بالانكسار، ثم الفتوة والقوة، وهو ما اقتنع الجميع به.


وأخيرا
10- نادر - أهلا يا بكوات.
"لينين الرملي" من أعظم من كتب للمسرح المصري، "أهلا يا بكوات" لم تكن استثناء علي جودته، كتب لينين الرملي المسرحية بنهاية التسعينيات، وأٌعيد عرضها في 2006، ليتم تصويرها تليفزيونيا، ببطليها "عزت العلايلي" و "حسين فهمي".

نتيجة بحث الصور عن عزت العلايلي اهلا يا بكوات

جسد "العلايلي" دور "نادر" مدرس التاريخ، المفزوع من حقيقة الواقع والمستقبل، يحاول عبثا شرح الموقف لصديقه "برهان" الذي لا يكترث علي الاطلاق، ثم يحدث زلزال مروع، يعود البطلين علي إثره مائتي عام إلي الوراء، وقت حكم المماليك لمصر.

ووسط  انتشار الجهل والخرافات، يحاول "نادر" تحذير الجميع من المستقبل، لكن الكل يعتبره مجنون، وفي الوقت نفسه يستفيد صديقه من معلوماته عن المستقبل لأقصي درجة، ويتحول ليصبح من سادة المماليك هو نفسه.

أداء عزت العلايلي في المسرحية كان عظيما، لا بالمبالغ فيه كما هي عادة المسرح، والمسرحية كانت بعيدة عن الخطاب الأخلاقي بشكل مباشر، مسرحية عظيمة، فاتنا للأسف جزئها الثاني "وداعا يا بكوات" التي كتبها أيضا لينين الرملي، للأسف تم اهمال تصويرها كعادة التليفزيون والمسرح المصريين.

----------------------------
تم.
ريم
8 نوفمبر 2018
أبو ظبي.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عربية أتاري...

كنوز مدفونة: صياد الطيور - جورج وسوف "الجزء التاني"

نادية الجندي....سور الصين العظيم..!