أحبوا أعدائكم...باركوا أمهاتكم..
"أحبوا
أعدائكم..باركوا لاعنيكم.." – من تعاليم السيد المسيح
"ومن أولادكم عدو لكم" –مقتبس من
القرآن الكريم.
أمي يا أمي، ماذا أتذكر لك؟ في عيد الأم الذي
أراه مملا وكوميديا ونمطيا وتقليدي بحت، واللي انتي للغرابة الشديدة فرحت به فرحا
شديدا عندما تلقيت مني هدية صغيرة، رغم أنها لا تعبر عما بداخلي من حب وتقدير،
وخوف، واحترام...يا أمي..
ماذا أتذكر يا أمي، علمتني الكثير، علمتني
القراءة، وضعتي في يدي أول كتاب، علمتني جدول الضرب، اشتريتي لي أول عبوة فوط
صحية، صحيح أنك لم تذكري لي فيم يستخدم جدول الضرب الذي تلقيت علقة ساخنة بسببه،
ولم تشرحي لي مافائدة الدورة الشهرية وسببها، ولا أي شئ في الحياة، لكنك أظن أنك
أغفلت هذه الأشياء لسببين، إما لثقتك في ذكائي، أو أنك كنت محرجة أن تشرحيها من
الأساس، أو من قبيل الإهمال غير المتعمد.
أمي يا أمي، في عيد الأم، الذي طالما كرهته،
وكرهت مطلع أغنية فايزة المقبض الكئيب، والفايولاينات المسلحة لصاحبها اللواء عبد
الوهاب، لكنني أتذكرك بالخير، أنت مستشارتي الأولي، ورأيك أصبح في الحياة هو رأيي،
حتي أنني لما اشتري شئ، أسأل نفسي، هل ستعجبك أنت أم تعجبني، والسؤال هنا: أين
شخصيتي يا أمي؟
أمي كانت ناقدتي الأولي، ومن شدة نقدها توقفت
عن أشياء كثر كنت أفعلها، وأصبحت أكذب عليها في الرايحة والجاية، فقط لأني أخشاها،
وأخشي من الحقيقة عليها، أخشي أن أصارحها بأن عملي انتقل لمكان آخر أبعد مرتين من
مكانه الحالي منذ أسبوعين، أخشي أن أقول لها أو أصارحها بأنني فشلت في بداية
مستقبلي المهني، أخشي بأن أصارحها بأنني غيرمرغوبة من الجنس الآخر، وأنهم جميعا
يعتبرونني الآخت العزيزة، أخشي أن أصارحها بأن الحياة تختلف كثيرا عن الكتب، أخشي
أن أصارحها بأنني أخشي فقدانها خشية الموت، وأنني أعجز عن الكلام اذا شعرت بأنني
سأفقدها لو للحظة، أمي لا تعلم أنني في ارتباكي أتلعثم ويتوقف لساني عن الكلام،
وأتعثر في خطواتي، وتتجمد قدماي.
أمي لا تعرف بأنني أكره القيود، وأكره
الأطفال، وأكره الزواج، أمي لا تعرف بأنني أكره أبي، ولا تعرف بأنني أكره زوجة
أبيها وأخوتها من أبيها كراهة التحريم، وكل من امتدت يده بأمي للسوء يوما من
الأيام أحمل له عداءا خفي شرس كالضباع لا يرحم.
ذات يوم،عندما كانت زوجة جدي، (أم أخوالي) في
احتضارها الأخير، صاحت أمي فيي عندما علمت بأنها توفت، بأنني كنت أتلكأ عن
زيارتها، والحق يقال، كنت أكرهها، وأتمني لها أقسي العذاب، فقد كانت زوجة أب قذرة،
قاسية، وضعت نفسها ندا لفتاة في السابعة عشرة من عمرها، ولم تتوان يوما ما عن
تفريقها عن أبيها، الذي كان وللأسف ينصاع لها.
أساند أمي، حتي ولو في الباطل، وأقف في ظهرها
دوما، واؤيدها، وأسمعها ما تريد أن تسمع مني، وتنقلب معدتي ان بدت منها أمارات
الغضب، وأسارع بمصالحتها، وأشعر بالذنب حتي وان كان سبب الخصام ليس من جانبي، هكذا
أنا.
أمي هي الصحيحة، والكاملة، والخبيرة، حتي وان
نقصت معرفتها، أمي هي الناصحة الامينة، والمخلصة دائما، أمي هي التي ستظل دائما
وأبدا صاحبة المشورة الخالصة لله، لا لشئ ولا لآخر، وهي بركة العمر، وهي رزق الله
في الأرض.
أعدد أفضالها فلا أكاد أحصرها، وتدمع عيني
عند الحزن عليها، ما أظن أن باستطاعتي توفية أفضالها، أتذكرها في أيام البرد
البعيدة، والضباب يملأ بولاق، وهي تحملنا علي أكتافها، وتهرع بنا للمدرسة صباحا،
وتعود للمنزل ظهرا، وتجلس بكامل هيئتها مساءا، في مجهود نادر الحدوث، وهي تستعجب
الآن: أين ذهبت صحتها؟ ذهبت الصحة يا أمي وأنت ترين الصحة في وجوهنا، وفي أعيننا،
وأناأري فيكي كل جميل...
أمي...أحبك....
بوركت يا أمي... وبورك مطعمك وممشاك....
بوركت يا أمي... وبورك مطعمك وممشاك....
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يسعدني..يا أفندم!