عن ميلوش فورمان...

"المجتمع ضد لاري فلينت The People Vs. Larry Flynt "

تأثرت كثيرا بأداء وودي هارلسون في فيلم "المجتمع ضد لاري فلينت"، فيلم قديم نسبيا، لا يحظ بشهرة ملائمة، وكان علي رأس قائمة مشاهداتي منذ فترة طويلة، لولهي الشديد بمخرجه العظيم "ميلوش فورمان" الذي لم يخيب ظني أيا من أفلامه الأخري، بكيت بكاءا طويلا بعيد مشاهدتي لفيلم "رجل علي القمر Man on the moon - "، وتأثرت للغاية ب"أماديوس" وأحببت "طار فوق عش الوقواق"، وقعت في غرام كل بطل من أبطال ميلوش فورمان، جميعهم يتمتعون بخفة، واستثنائية، وعقولهم علي حافة الجنون.

من الغريب أن يهتم مخرج من أوروبا الشرقية، وأحد الناجين من الهولوكوست، بشخصية عامة مغرقة في الأمريكية ك"لاري فلينت" مؤسس مجلة "هاسلر  Hustler - " الإباحية، لكنني لا أتعجب، فيلمه الآخر "رجل علي القمر" كان عن حياة أحد أغرب كوميديانات أمريكا في الثمانينات، رحل رحيلا مفاجئا، وقام جيم كيري ببطولة فيلم هو أكثر من رائع عنه، أندي كوفمان كان مثيرا للجدل تماما كما كان "لاري فلينت".

لم أر أية أفلام تسلط الضوء علي موهبة "وودي هارلسون" مؤخرا سوي فيلم "ثلاثة لافتات إعلانية علي طريق إيبنج، ميزوري"، دوره كان قصيرا لكن أداءه كان مبهرا، لكن في هذا الفيلم حظيت بسهرة مطولة وأداء غير عادي، وللظلم الشديد فقط ترشح للأوسكار ولم ينلها! تبا لهذه الأوسكارات، لعبة غير عادلة بالمرة..

يرصد الفيلم قصة حياة شخص غير عادي مثير للجدل، ربما أكثر إثارة للجدل من "هيو هيفنر" مؤسس البلاي بوي الذي رحل عن عالمنا مؤخرا، مواطن أمريكي، يتحلي ببعض القيم والمبادئ، حياته أكثر إثارة للجدل من أي شئ آخر، فهو ببساطة يتاجر في الجنس، ومسئول عن تحرير مجلة "خلاعية" ومنحطة علي حسب قوله، لكنه علي الجانب الآخر، متمرد، ثائر، ويعلم ببساطة أن الدستور الأمريكي يحميه جيدا، في لقطة من لقطات الفيلم أخبر الصحفيين "إن لم يقم التعديل الأول بحمايتي أنا المنحط، فلن يقم بحمايتكم أنتم أيضا" –ترجمة بتصرف- باختصار هذه الجملة هي دستور حياة "لاري فلينت".

لم يلق الفيلم الضوء علي الكثير من محطات حياة فلينت، طفولته كانت قاسية، تطوع في الجيش بشهادة ميلاد مزيفة في سن الخامسة عشر، قام بشراء بار من والدته، وبإدارته الناجحة أدار سلسلة بارات، ثم نواد تعري، ثم دخل إلي لعبة النشر، ومجلة "هاسلر"، لكن ما رأيناه كان كفيلا بتقديمنا إلي صميم حياة الرجل، وزوجته الأولي..

طالما اهتم ميلوش فورمان بشخصياته النسائية في الأفلام، "لويس فليتشر" والتي قامت بدور الممرضة راتشيد في "طار فوق عش الوقواقOne Flew over the cuckoo’s nest - " علي سبيل المثال، من أقوي أشرار السينما الأمريكية، رغم ملامحها الجميلة، القاسية في الوقت نفسه، كذلك "كورتني لاف" التي قدمت دور "ألثيا فلينت" زوجة لاري الأولي، التي تعرضت للاعتداء الجسدي في طفولتها، وشهدت مقتل أسرتها، وتمتعت بمراهقة وطفولة مدمرة، حتي قابلت لاري، الذي أحبها، لكن دمرها..ربما دون قصد.

ذكرتني كورتني بغصن ضعيف في مهب الريح، ريح حياة لاري الكاسحة، إدمانه للمسكنات، وإدمانها معاه، تعرضها للإصابة بالإيدز ووفاتها (انتحارا أو كعرض جانبي لجرعة زائدة) أسلوب حياتها الصارخ، ملابسها الفاضحة، حراسها الشخصيين كدعامات بشرية لها، يحمونها من السقوط كلما أوشكت أن تفقد توازنها، وجهها الباهت كأنها مريضة بالفعل، أبهرتني، كأنها توشك علي الموت، ولشد ما خاب أملي لما علمت بخروجها خالية الوفاض بلا جوائز هذا العام.

"ميلوش فورمان" هو نصير "الأنتي هيرو"، أبطاله لا قيم حقيقية لديهم، يمتلؤون بشهوة، بغضب، بحقد، بسذاجة، بعنف وطفولة غير مبررة، وكلهم مجتمعون علي حافة الجنون! من غيره سيسلط الضوء علي موسيقي يغار من "موتسارت" نابغة عصره؟ من غيره سيهتم بسيرة "أندي كوفمان"؟ من سيصور فيلما بداخل مصحة مجانين بشكل بديع لا مثيل له؟ لا أحد...!

إنه "ميلوش فورمان" أيها السادة وكفي!