The Crown...كيف تصنع مسلسل عظيم بدون أحداث مثيرة...
مشاهدو مسلسل Sienfield يعرفون تيمة المسلسل الرئيسية، والتي قيلت بوضوح في خضم أحداث المسلسل: "It's a show about nothing"، ساينفيلد كان يدور حول اللاشئ، لا أحداث زاعقة فيه، لا بكاء ودموع، مبدأ No Hugging No Learning، هكذا نجح سانفيلد في خلق العديد من الحلقات المميزة، وانتهي وهو علي قمة جبل المسلسلات الكوميدية في أمريكا.
مسلسل The Crown يدور حول أحداث حياة المرأة الأشهر في العالم حتي الآن: "إليزابيث الثانية" ملكة انجلترا، منذ خمسينيات القرن الماضي، وحتي الآن، امرأة قد تحبها وقد تكرهها، وقد تراها امرأة بغيضة وكريهة، قتلت الأميرة ديانا، لكنها مشهورة بشكل يفوق الحد، وتمثل رمزا عالميا هاما، أحببتها أم بغضتها.
أوليفيا كولمان في دور إليزابيث |
علي عكس كافة مسلسلات "النتفلكس" لم يحظ The Crown بشهرة عريضة في الوطن العربي، في البداية شاهدت منه حلقة، وتململت من بطء أحداثه، كان هذا في انطلاقته عام 2016، تغيرت شخصيتي، وشاهدته مرة أخري بناءا علي ترشيح أحد الأصدقاء، والتهمته التهاما في جزئيه الأول والثاني، ومؤخرا، شاهدت الجزء الثالث.
فترة حكم إليزابيث الطويلة، قماشة عريضة لأي كاتب درامي/تاريخي يحترم نفسه، صاحب الأعمال العظيمة "بيتر مورجان" تولي هذه المسؤولية العظيمة، ولم لا وأعماله الدرامية المثيرة للجدل والمتقنة الصنع في كل مكان؟
يكفينا أن نذكر أن أفلام ك"Frost/Nixon" و "The Last King of Scotland" و "The Queen" هي من تأليفه، فيلم "الملكة" كان عن الملكة إليزابيث ذاتها، يرصد فترة وفاة الأميرة ديانا، وكيف تصرفت وقت حدوث هذه الأحداث، وفازت هيلين ميرين بجائزة أوسكار أفضل ممثلة عن دورها.
بوستر السيزون الثالث من المسلسل |
إن كان فيلم The Queen يرصد قطاعا عرضيا في حياة الملكة إليزابيث، فمسلسل The Crown يرصد قطاعا طوليا في حياتها، وحياة كل المحيطين بها، وكيف أصبحت "إليزابيث الثانية" - "شيرلي تمبل - كما سماها عمها ادوارد الثامن" من زوجة وأم، إلي ملكة، ذات مسئووليات ضخمة.
"The Hardest Thing is to do Nothing"
هكذا نصحت الملكة "ماري" حفيدتها "إليزابيث" بعد تتويجها الملكي، وهكذا تمحور المسلسل حول هذه الجملة، الجميع يفعل شيئا، إلا الملكة، الجميع يتخذ موقفا، إلا الملكة، دوما ما تحتفظ بصمتها المطبق، وهدوئها العاصف، أظن أن هذا شيئا غير هين، في ظل تحديات ضخمة تواكبها الملكة، زوجها ذو الطموح والكاريزما، الذي تخلي عن طموحاته ووظيفته ليصبح فقط زوجا للملكة، أختها الأصغر منها صاحبة الشخصية الجامحة، ضغوط عمها الذي تخلي بملء إرادته عن الحكم، لكنه لم يتخل عن دائرة الضوء وغيرهم وغيرهم.
أوليفيا كولمان في مشهد آخر من المسلسل |
في الجزئين الأوليين، قامت "كلير فوي" و"مات سميث" بدوري "إليزابيث" و "فيليب"، ومع تطور الأحداث وتقدم سن الملكة، قامت "أوليفيا كولمان" بدور "إليزابيث" و "توباياس منزياس" بدور فيليب، مع تغيير كامل طاقم المسلسل، مراعاة لتقدم السن والأحداث الزمنية.
لن أتحدث مطولا عن أداء المتوجة بالأوسكار "أوليفيا كولمان" التي تعرفت عليها سابقا في "The Night Manager" في دور "أنجيلا بور"، ظابطة الأستخبارات البريطانية، صاحبة الإصرار والذكاء الخارق، ولا في دورها في "Broadchurch" مع "ديفيد تينانت" ولا في دورها الجميل في فيلم "The Favorite" المستحق للأوسكار عن جدارة، هي ممثلة، أقل ما توصف به أنها عظيمة!
هيلينا بونام كارتر، أوليفيا كولمان وتوباياس منزياس |
علي عكس أول جزئين، تميز الجزء الثالث بالعديد من الأحداث الهامة، والمؤثرة: كتعويم الجنيه الاسترليني، اضراب عمال الفحم البريطانيين، كارثة أبيرفان، قصة حب الأمير تشارلز وتنصيبه أميرا لويلز، هبوط أرمسترونج علي القمر، انتهاءا بطلاق الأميرة مارجريت واستقالة رئيس الوزراء "هارولد ويلسون"، تضفرت الأحداث ببراعة شديدة، وترابطت بخيط متصل منفصل، وأتاح النص والكتابة مساحات متساوية لكل الشخصيات، فرأينا تهور الأميرة مارجريت وعلاقتها المتدهورة مع زوجها "اللورد سنودن" واستمرارية تمرد الأمير فيليب ورغبته في أن يصبح شخصا مؤثرا، عكس منصبه الذي يضعه دائما خلف الملكة بخطوة واحدة، وعلاقة الأمير تشارلز بخال والده اللورد ماونتباتن، وعم أمه الملك السابق إدوارد الثامن، وحياة الأميرة آن العابثة، رأينا لمحات من حياة كل شخص، وكيف أن أصغر تصرف يصدر من أيا من المقربين للملكة يؤثر عليها، ويصيبها بالإضطراب.
تشارلز وكاميلا في The Crown |
نجحت "أوليفيا كولمان" في وجهة نظري في تجسيد منحي أكثر انسانية للملكة من "كلير فوي"، ورأينا كيف كانت علاقتها بعيدة وجافة عن ابنائها الإثنين، لا يزال "أدوارد" و"أندرو" صغارا، وكيف أصبحت الملكة صاحبة قرار بشكل أكبر، وينتهي المسلسل باحتفال الملكة بيوبيلها الخامس والعشرين للحكم.
أما عن الديكور والموسيقي، فحدث ولا حرج، أبسط التفاصيل تم تمثيلها ومحاكاتها للواقع، أزياء الملكة تمت اعادة تفصيلها بالكامل، وايقاع المسلسل كالعادة هادئ، لكنه مشحون وعاطفي، وغاية في البساطة والتكامل.
هيلينا بونام كارتر والأميرة مارجريت الحقيقة |
The Crown هو درس لكل صناع الدراما، درس في كيفية خلق مسلسل متكامل، بعيدا عن الأكشن الزاعق، والخيال العلمي المبالغ فيه، والبلوت تويستس الحراقة، لا شئ عظيم يحدث، لا بطل يصفع بطلة، ولا صراخ ولا نحيب، كل شئ يحدث تحت الملابس الرسمية، وبين أروقة القصور الجافة الباردة.
"أوليفيا كولمان" وطاقمها سيستمران لموسم آخر، ستظهر فيه علاقة "تشارلز" ب"كاميلا" كما ستظهر فيه "الأميرة ديانا"، ومن الآن، انا في الانتظار...علي أحر من الجمر.
ريم.
23 نوفمبر، 2019.
فيصل
تحليل رائع استمتعت كثيرا به
ردحذف