كيف يأكلنا العمل أحياء؟
لم أكتب شيئا ذو قيمة مذ سنوات، احباطات وخيبة تبعتها فترة توقف كبيرة، حاولت خلالها الظهور عبر مقاطع مصورة، لكنني فشلت، لا أحب الكاميرا ولا الكاميرا تحبني، أغمر نفسي في أشياء عديدة: أقرأ، أعمل في المنزل، أتسوق، لكنني لا أكتب.
أشتاق إلي تلك الأيام التي كان مطلوبا مني ٧ مقالات أسبوعية، عقلي كان يعمل كساعة ميكانيكية، يلتقط الأفكار ويحتفظ بها، ويجعلها تنساب عبر أصابعي كالنسيم، كنت لا أفكر، كنت فقط أفتح صفحة بيضاء، وأترك أصابعي تطقطق علي لوحة المفاتيح، وبعد عدة دقائق، أجد مقالة أمامي!
كنت أكتب عن كل شئ، وأي شئ، شاعر أحببت كلماته، ممثل ثانوي أبهرني بدور، أغنية عبرت خاطري، ومع مرور الوقت أصبحت مثال حي لمقولة محمود درويش "لا شئ يعجبني". أشاهد أفلاما لكنها لا تبهرني حد الكتابة عنها، أسمع أغنيات مكررة، مباريات الكرة مكررة، الأيام كلها صارت نسخا كربونية، ولا أدري كيف صرت هكذا.
أين ذهبت هذه الطفلة المبهورة بكل شئ، التي تحتفظ بكل شعور أسعدها؟ هل ماتت تحت وطأة الزمن؟ الثلاثينيات عقد ممل بحق، تدرك فيه أنك لست عشرينيا غريرا، تركز علي عملك، وتنظر حولك في حسرة فأنت لا زلت في أول الطريق وحيدا، وغيرك قطع نصف طريقه في زيجة وأطفال، لكني لا أحب الأطفال، ولا أريد الزواج، أصبحت فقط أريد العزلة والهدوء، هذا ما أريده بشدة.
كل المشاعر تخف تحت وطأة دواء الاكتئاب، أحب ما يفعله بحياتي، لا حزن شديد، ولا فرح شديد. كأنني قلب عديم النبضات. كفاني ما عانيت سنينا مضت، ولأحاول كبح ما سأعانيه في السنوات المقبلة. لا أتحدث مع أحد عن الفيل في الغرفة، هم فقط يرونني مجهدة دائما، قلقة وصامتة، لا أكترث لمظهر ولا لشئ، أحيا كماكينة كاملة، أعتقد أن هكذا فقدت الشعر، وهكذا أفقد الكتابة ككل.
شيطان الشعر كأن يأتيني أثناء النوم، أثناء العمل، في الطريق، في كل لحظة، عند نقطة ما أصبحت لا أهتم، يوسوس لي فلا أستمع، يمسك بيدي ويضع القلم فوق الورقة فأنحيه جانبا، حتي مل وتركني.
ماذا دهاني؟ نضجت كما ينضج اللحم في الإناء..مشاعرك سلبية؟ أكبحها! غاضبة من كل شئ؟ ضع القناع وتحل بالصمت، تشعر بالاستياء من سير حياتك بلا هدف أو هوية؟ اصمت ودع يومك يمر....نضجت وبين الفينة والأخري يأتي أحدهم بشوكة يضعها في جانبي، ليتأكد أني كاملة النضوج، ثم يزيد النار اشتعالا ويغلق الفرن، ويخرج.
السؤال هنا: هل يأكلنا العمل أحياء حقا؟ أم نحن من نتعاطي العمل كمخدر لآلام الوجود؟ هل دوامة العمل حقيقية؟ هل العمل هو من يجبرك علي تفحص رسائلك الإلكترونية يوم اجازتك والرد علي آخرين يوم إجازتك؟ أم فضولا وفراغا، مللا وقلقا؟ أين الحقيقة؟
كانت لدي هوايات عدة، الآن أهوي النوم، أري أحلاما تعجبني وأفتح عيناي أري حقيقة لا أحبها، أنام حتي التعب، أعمل حتي التعب، كلها مخدرات نتعاطاها، حتي نسقط...
نسقط من التعب.
ريم
٢٢ يناير ٢٠٢٣
الجيزة
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يسعدني..يا أفندم!