سبتمبر...
لا أحد يدري حتي الآن ماذا كان يصنع "عم خليل" في البرد القارس، وكيف له أن "يسقي الورد" بكل بساطة في عز البرد..! الثابت أن شهر سبتمبر يحمل في طياته روائح الكتب الدراسية الجديدة، روائح الجلاد الأحمر والأصفر والأزرق، روائح التيكيت الذي اعتدت تقسيمه بالمقص والمسطرة، وتجليد الكراسات ولصق الجلاد بالسوليتيب، وتجليد الكتب بالورق المقوي، رائحة الجو في سبتمبر: دراسة..!
تخرجت من جميع مراحل التعليم الأساسي والجامعي منذ أكثر من ستة سنوات، أقسمت بعدها علي ألا أمس كتابا أو أمر باختبار طالما حييت، تخلصت من الواجبات المدرسية، ثم الأسايمنتس، ثم الأكواد، تخلصت من الميد ترم، والفينال، ومشروع التخرج، معامل الكلية، وجوع نصف اليوم، ثم وجبات الجامعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لكنني ما زلت أحمل بداخلي الحلم الشهير، امتحان الثانوية العامة، القلم الضائع، التأخير علي اللجنة، والذي عايشته وكان من أكثر الأحداث رعبا في تاريخي في المرحلة الإعدادية، حيث فاتني موعد امتحان الجبر في امتحان الشهادة الإعدادية، وهرعت "تقريبا بالبيجامة" إلي اللجنة، حيث ساق لي الله مراقب بهاتف محمول "كان أمرا نادرا وقتها" أيقظني من النوم.
لا زلت أحلم نفس الحلم، لا زلت أشتم رائحة الجوافة الناضجة، بشائر البرتقال، دريل المدرسة، الحقيبة الجديدة الثقيلة، ورقة الطلبات، ومعاناتي مع جلاد الكراسات حتي فتح الله علينا بالجلاد الذي لا يحتاج للاصق، والتيكيت الباربي، دوما كنت أفضل أن تكتب لي أمي علي كراساتي وكتبي، خطها كان بديعا، وخطي كان ولا يزال "نكش فراخ" تحول إلي أسوأ ما يكون بعد اتجاهي للكتابة علي الكيبورد، واعتمادي الكامل علي الموبايل واللابتوب.
كنت أكره القشدة بشكل مبالغ فيه في طفولتي، أظن خصوصا في فترة ما قبل البلوغ حيث كنت أصاب بالإعياء بسهولة شديدة، أقئ بمجرد اشتمامي لرائحة القشطة السميكة فوق كوب الشاي بلبن، كنت اختصاصية في تصفية اللبن كامل الدسم الذي اعتاد أبي شرائه لنا من عند "عبد المعطي اللبان" في زمن عز فيه وجود الألبان المعلبة، التي اعتبرناها "للعيال الفرافير" ثم من الفرن المجاور، يبتاع لنا "عيش فينو" ساخن، غالبا ما ألتهم كعب الرغيف وأنا في طريقي للبيت، جبنة بيضاء، حلاوة طحينية، مربي، أسمع "عفاف راضي" وهي تقول "اصحي يا دنيا وفوقي يا دنيا واسمعي ديك الصبح صديقك، خدي م الكزرونة الألمونيا، لبن الصبح وغيري ريقك"، هكذا كنت أكره عفاف راضي وأكره أغنيتها، وأكره اللبن!
سبتمبر يوقظني مبكرا، سبتمبر يجعلني أسير شبه نائمة للمدرسة، سبتمبر يحملني حقيبة ثقيلة علي ظهري، سبتمبر يضع القشدة في كوب لبني، سبتمبرحتما... يجمد الدماء في عروقي...!
ريم
1 سبتمبر، 2018.
1 سبتمبر، 2018.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يسعدني..يا أفندم!