الشعر الغجري المجنون...
"انا
ايدي وجعتني" قالتها لي أمي آلاف
المرات حينما انتهت من تصفيف شعري الكثيف! كطفلة صغيرة، أذكر من ذكرياتي الضبابية
فقرة تمشيط الشعر، لأنها ببساطة لم تكن إحدي فقراتي المحببة إلي النفس، أذكر أنني
لم يكن باستطاعتي غسل شعري بمفردي حتي الثانية عشرة من عمري، أذكر أنه لم يكن
بإمكاني تمشيطه بمفردي، شعري كان كارثة محققة، شديد التشابك كغابة أمازونية، لا
أول له ولا آخر، لم تكن عندي تلك الرفاهية التي كانت عند رفيقاتي وقريباتي بترك
شعري منسدلا علي كتفي، لأنه في غضون لحظات سيتحول إلي كتلة شبيهه بشعر "اتش
دبور"، حتي النوم دون ربطة لشعري، كان نوعا من الرفاهية التي يعني أنني بعدها
سأحظي بنهار سئ محاولة
تمشيط شعري!
"هاتيلها زيت دابر أملا" – "اعمليلها
جلات" – "هاتي سيشوار" – "حطيلها زيت خروع"، نصائح
اتبعتها أمي يائسة أرغمت معها علي الانصياع لكافة هذه الوصفات السحرية، أملا في
الحصول علي شعر كشعر ابنة عمتي، أو شعر ابنة قريب لأمي "والتي كانت أمها
آسيوية بالمناسبة"! لكن هيهات! كل ما جنيت هو الجلوس بكيس بلاستيكي فوق رأسي
طوال الوقت، أو النوم بصحبة كم خرافي من "بنس" الشعر لأنني لفيت شعري
"طاقية" بناءا علي نصيحة أبي، الذي اعتبر شعري "الهائش"
غلطتي!
لا زلت أذكر هذا اليوم بوضوح شديد، حيث كنت
أجلس في المقعد الأول في الصف "لضعف بصري"، وربطت شعري في ذيل حصان،
فأتي ذيل حصان "هائش" ضخم، سبب انعدام الرؤية لزميلاتي في الصفوف
الخلفية، حيث جئت في أحد الأيام وجدت مقعدا منخفضا، كنت أواجه صعوبة في الجلوس
عليه، وضعته زميلاتي، لأنهم يشتكون من احتلال شعري لزاوية رؤيتهم، وخيرنني، بين
الجلوس علييه أو الرجوع بالمقعد للخلف، واخترت أن أجلس في الخلف، مضحية بالمقعد
القريب من السبورة، ومضحية حتي بالفهم والرؤية لأنني شعرت بالإهانة!
طوال فترة طفولتي ودراستي الابتدائية لم ير
الناس مني سوي شعري المرتب، النظيف المصفف بعناية، مجهودات أمي الكبيرة أتت
بفائدة، كنت دوما موضع حسد من زميلاتها، وأمي نفسها كانت تتفنن في تصفيفي لأنني
ابنتها البكر، عروستها المفضلة، أميرتها المتوجة، لكن مع انتقالي لمدرسة أخري
"أمي معلمة بالمناسبة" واختلاف المواعيد، وولادة أختي الصغيرة وتزايد
كوارث شقيقي الأصغر، أهملتني أمي، وكنت قد كبرت، تركتني أغسل شعري بمفردي، تركتني
أسرحه بمفردي، وقتها لم تتحمل ذراعي الصغيرتين مجهود فض اشتباك الخصلات اليومي،
مشاجرة لن أقدر علي تحملها يوميا، داومت علي قص شعري لدرجة جعلته لا ينمو أبعد من
طول كتفي، مع مداومتي علي وصفات عمتي وخالتي وجارتي وكل امرأة تتعثر أمي في طريقها
تنصحها بشأن شعر ابنتها الغجري المجنون،
وكان القرار الذي لا مفر منه: الحجاب!
ابنة الرابعة عشرة ربيعا تحجبت، لا تدينا،
ولا تقليدا، فقط لتهرب من شعرها الفظيع، تتجنب التعليقات السيئة، فقط تجمعه تحت
"الطرحة" لا يهم أن يكون لامعا، لا يهم أبدا أن يكون مصففا، كرهته،
وكرهت كونه فوق رأسي، ليس تاجا لي كما هو تاجا لأي أنثي، الأصح أنه تاجا من
الأشواك فوق رأسي الصغيرة. لا أبالغ لو قلت أنني كنت لا أصفف شعري بالأسبوع
والأسبوعين، ويتجعد، تحت الحجاب، فقط لأنه يتعب ذراعي.
حقيقة لا أدري متي حدث هذا، لكن ما بين ليلة
وضحاها لم يعد شعري كثيفا، فقط أصبح "هائشا" وصار أخف وأخف حتي صرت أقرب
للصلع، وصار يتساقط بغزارة، لم يثر فيي هذا الحزن ولا الفزع، بل أثار شيئا من
الخفة والشماتة الخفية في نفسي، وأمنيتي في حلاقة رأسي زيرو قاربت علي التحقق
والنفاذ! وقررت الآتي: سأخلع الحجاب، الآن أستطيع التعامل مع شعري، الآن أستطيع
تصفيفه حتي ولو في ذيل حصان صغير، ومن لا يعجه ذيل حصاني فلينتق أكبر حائط ويصدم
فيه رأسه!
لا زلت لا أحب شعري، ولا زلت أجرب كل الحلول،
معالجة كيميائية، بروتين، كي، سيشوار، صدقوني: لا شئ سيجعله مثل شعر قريبة أمي،
ولا حتي سيصبح مثل شعر أمي الناعم اللامع، شعري سيبقي شعرا سيئا هائشا، وسيحتفل
حول رأسي الصغير وسيكمل مسيرة "الهيشان" حتي في القبر...
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يسعدني..يا أفندم!